جدار برلين وجدران واشنطن

جدار برلين وجدران واشنطن

عند سقوط جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني عام ١٩٨٩ كان العالم في حالة زهول، لما عاناه هذا السقوط من نهاية حقبة تميّزت بالانقسام الايديولوجي والمواجهة بين الرأسمالية الامريكية والشيوعية السوفياتية، والتي كانت ان تؤدي الى حرب نووية مع ازمة الصواريخ الكوبية عام ١٩٦٢. فجدار برلين الذي اقامته حكومة المانيا الشرقية كان رمزا للحرب الباردة التي طبعت اغلب القرن الماضي واحداثه.
وان كان سقوطه يعود الى عدة اسباب منها اقتصادية واجتماعية يبقى ان رجلان سيبقى اسمهما متلازمان مع هذه المرحلة التاريخية من نهايات القرن الماضي: ميخائيل غورباتشوف الذي شغل منصب الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي من عام ١٩٨٥ إلى عام ١٩٩١، و رونالد ريغان الذي شغل منصب الرئيس الأربعين للولايات المتحدة من عام ١٩٨١ إلى عام ١٩٨٩.

سعى غورباتشوف منذ بدايات حكمه الاتحاد السوفياتي إلى تحسين العلاقات مع الغرب، معترفًا بالحاجة إلى الانفراج والتعاون لمعالجة القضايا العالمية الملحة. ساهمت سياسات الإصلاح البريسترويكا (إعادة الهيكلة) الى نوعا من تغيير سياسي واجتماعي في مختلف أنحاء الاتحاد السوفيتي والدول التابعة له في أوروبا الشرقية ومهدت الطريق لمزيد من الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة، فشارك في جهود دبلوماسية مع الرئيس ريغان بلغت ذروتها في سلسلة من مؤتمرات القمة رفيعة المستوى بين الزعيمين، بما في ذلك قمة ريكيافيك في عام ١٩٨٦ وقمة واشنطن في عام ١٩٨٧.
من البديهي القول ان علاقتهم الشخصية واستعدادهم للانخراط في الحوار، على الرغم من اختلافاتهم الأيديولوجية، كان لها دورا حاسما في تشكيل الأحداث التاريخية التي شاهدها العالم قبل اكثر من اربعة عقود.

مع انتشار الأخبار عن بدء انهيار الجدار الحديدي تجمعت حشود من سكان برلين الشرقية عند المعابر الحدودية، مطالبين بالسماح لهم بالمرور الى الجزء الغربي. رضخ حرس الحدود، وتم فتح الحواجز وتدفق الناس عبر نقاط التفتيش، واستقبلهم سكان غرب برلين بالفرح والابتهاج وتعانقت العائلات والأصدقاء، الذين انفصلوا بعضهم عن بعض لعقود بالدموع، وبدأت الاحتفالات على جانبي الجدار. ولاحقا أصبحت صور الأشخاص وهم يقطعون الحاجز الاسمنتي بالمطارق والمعاول رموزًا أيقونية لانهيار شيء بشع. وفي الأيام والأسابيع التي تلت فتح الحدود، أقيمت احتفالات عفوية في جميع أنحاء برلين وخارجها.

عنى سقوط جدار برلين نهاية انقسام أوروبا من جراء الحرب الباردة وبداية عصر جديد من الأمل والتفاؤل واعادة توحيد ألمانيا في وتفكك الاتحاد السوفييتي.
لقد عزّز هذا الحدث الأمل في مستقبل عالمي أكثر سلما وتعاونا. واعتبر انتصاراً للقيم الديمقراطية والليبرالية على مساوئ الاستبداد والقمع.
ولكن هذه الاوفوريا/ النشوة اصطدمت باحداث ١١ ايلول ومقابل انهيار جدار برلين شهد العالم تشييد -من جراء ردة الفعل الامريكية على هذا الهجوم- جدران من الكراهية والحقد و أسّس الحدث هذا لحروب دموية ولصعود التطرف ولم تستطيع اميركا من نشر الديمقراطية في عالمنا العربي.

المشكلة هي ان تصحيح اخطاء الولايات المتحدة جاءت على يد اول رئيس اسود لاميركا باراك اوباما والذي اقتنع ان سياسات اميركا الماضية هي سبب كل مشاكل العالم وان حروبها كانت ظالمة وغير مبررة ما دفعه الى الانقلاب على كل ما تمثله اميركا والتقارب مع خصومها كنوع من تلاوة فعل الندامة واقام تحالف مع الخامنئي امام ذهول الحلفاء توج بالاتفاق النووي عام ٢٠١٥.

لكن وبعكس التقارب بين الرئيس ريغن و“الرفيق“ غررباتشيف لم يتحسن عالمنا بل على عكس ساء. لم يتغير النظام الايراني الثيوقراطي الديكتاتوري، لم تتحسن احوال الحريات العامة فيه لا سيما تلك المتعلقة بالنساء، ازدادت عمليات قتل وشنق المعارضين وملاحقة بعضهم في بلاد منفاهم . اما المنطقة فشهدت توترات وازمات وحروب كان الطرف الاساسي والدائم فيها هو النظام الايراني، اكان في اليمن او سوريا او فلسطين وحتى لبنان، وبالرغم من هذا لم تغير الولايات المتحدة من سياسات التقارب هذه بل عززتها من خلال ارسال مليارات الدولارات انتهت في جيوب الحرس الثوري، واعتقتها من اي عقوبات على برنامجها الباليستي وظل اوباما يردد ولو بلسان الرئيس بايدن هذه ايران اقبولها كما هي بالرغم من سياساتها التوسعية والعدائية تجاه بلدان المنطقة.
هذا ما هو الحال للاسف.
ليس مطلوبا من الولايات المتحدة الامريكية ان تفرض اجندات الديمقراطية على بلدان الشرق الاوسط وشعوبه، لكنها ايضا لا يجب ان تكون ضالعة في الترويج لدكتاتوريات دينية وتمكينها في بلدان تواجدها ثم اجبار الحلفاء بقبول هذا الامر على مضض.

هناك عقود تفصل بين جدار برلين الذي سقط وجدران واشنطن التي قامت بعد احداث ١١ ايلول، ولكن اميركا الرئيس ريغان، القوة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، اميركا القيادية الريادية ليست اميركا اوباما المنقسمة على نفسها والمتمترسة خلف هويات اتنية ودينية وجنسية شجعها هو نفسه وعمل لها، اميركا الرئيس ريغان المحافظة ليست اميركا الرئيس اوباما النيو ليبرالية المنعتقة من اية قيم.
اميركا الرئيس ريغان وغورباتشوف ليست ابدا اميركا الرئيس اوباما والخامنئي.

قراءة المزيد

مركز السينما العربية يصدر قائمة الـ101 الأكثر تأثيراً في "مهرجان كان"

مركز السينما العربية يصدر قائمة الـ101 الأكثر تأثيراً في "مهرجان كان"

أطلق مركز السينما العربية النسخة الجديدة من قائمة الـ101 الأكثر تأثيراً في السينما العربية والتي تحتفي بالأشخاص والمؤسسات ذوي الأثر في صناعة السينما العربية خلال العام الماضي، وذلك في إطار الأنشطة المختلفة التي يقوم بها المركز في الدورة 77 من مهرجان كان السينمائي. وتضم القائمة أسماءً يمثلون أنفسهم أو مؤسسات

ما تودّون معرفته عن المسلسل الكويتي "فعل ماضي" قبل تصويره

ما تودّون معرفته عن المسلسل الكويتي "فعل ماضي" قبل تصويره

يجدّد المنتج اللبناني جمال سنّان تعاونه مع نجوم الكويت في مسلسل جديد يحمل اسم "فعل ماضي"، متخطّياً الجدل القائم حول أحدث أعماله الكويتية، مسلسل "زوجة واحدة لا تكفي" وفيلم "شهر زي العسل"، اللذين أوصلا أبطالهما إلى النيابة العامة بتهمة الإساءة إلى

مصير المهرجانات اللبنانية على المحكّ بعد تعليق أنشطة "مهرجان بيت الدين"

مصير المهرجانات اللبنانية على المحكّ بعد تعليق أنشطة "مهرجان بيت الدين"

في الوقت الذي لم يحسم فيه منظّمو المهرجانات اللبنانية موقفهم بشأن إقامتها أو تأجيلها هذا العام، حسمت نورا جنبلاط مصير "مهرجانات بيت الدين الدولية" التي ترأس لجنتها، معلنةً تجميد أنشطتها لصيف 2024 بسبب الوضع الأمني في لبنان. وقرّرت جنبلاط تعليق المهرجان إلى أجل غير مسمّى،

بينهنّ أسيل عمران وأضوى فهد... تكريم 6 فنانات عربيات في"مهرجان كان السينمائي"

بينهنّ أسيل عمران وأضوى فهد... تكريم 6 فنانات عربيات في"مهرجان كان السينمائي"

تترك السينما السعودية بصمتها في الدورة 77 من "مهرجان كان السينمائي" المنعقدة حالياً حتى يوم 25 مايو الجاري، على مستوى الأفلام والندوات المختلفة، واستكمالاً لحضورها القوي في مسابقة "نظرة ما" من خلال فيلم "نورة"، كشف "مهرجان البحر الأحمر السينمائي" اليوم عن تجديد